فصل: باب الواو:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.باب الإضافة:

اما قوله: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْف عَلَيْهِمْ} فانفتحت هذه الياء على كل حال لأن الحرف الذي قبلها ساكن. وهي الألف التي في {هُدَى} فلما احتجت إلى حركة الياء حركتها بالفتحة لأنها لا تحرك إلا بالفتح. ومثل ذلك قوله: {عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} ولغة للعرب يقولون عصَيَّ يا فَتى و: {هُدَيَّ فَلاَ خَوْف عَلَيْهِمْ} لما كان قبلها حرف ساكن وكان الفا، قلبته إلى الياء حتى تدغمه في الحرف الذي بعده فيجرونها مجرى واحدا وهو أخف عليهم. واما قوله: {هذامَا لَدَيَّ عَتِيد} و: {هَذَا صِرَاط عَلَيَّ مُسْتَقِيم} و{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ}. فإنما حركت بالاضافة لسكون ما قبلها وجعل الحرف الذي قبلها ياء ولم يقل: عَلايَ ولا لَدايَ كما تقول: على زيد ولدى زيد ليفرقوا بينه وبين الأسماء، لأن هذه ليست بأسماء. وعَصايَ وهُدايَ وقَفايَ أسماء. وكذلك: {أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} و: {يابُشْرَايا هذاغُلاَم} لأنَّ آخر بُشْرى ساكن. وقال بعضهم: {يا بُشْراي هذا غلام} لا يريد الاضافة، كما تقول: يا بشارة.
فاذا لم يكن الحرف ساكنا كنت في الياء بالخيار، أن شئت أسكنتها وإن شئت فتحتها نحو: {إِنِّيْ أَنَا اللَّهُ} و: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ} و: {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيْ مُؤْمِنًا} و: {بَيْتِيَ}و{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائيْ إِلاَّ فِرَارًا} و: {دُعَائي إِلاَّ}. وكذلك إذا لقيتها ألف ولام زائدتان فان شئت حذفت الياء لاجتماع الساكنين وإن شئت فتحتها كيلا يجتمع حرفان ساكنان. إلا أن أحسن ذلك الفتح نحو قول الله تبارك وتعالى: {جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي} و: {نِعْمَتِيَ الَّتِي} وأشباهِ ذا. وبه نقرأ. وإنْ لقيته أيضا ألف وصل بغير لام فأنت فيه أيضًا بالخيار إلاّ أَنَ أحسنه في هذا الحذف وبها نقرأ: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} و: {هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي}.
فاذا كان شيء من هذا الدعاء حذفت منه الياء نحو: {ياعِبَادِ فَاتَّقُونِ} و: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} و: {رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ}.
ومن العرب من يحذف هذه الياءات في الدعاء وغيره من كل شيء. وذلك قبيح قليل إلا ما في رءوس الآيْ، فإنه يحذف الوقف. كما تحذف العرب في أشعارها من القوافي نحو قوله: من الطويل وهو الشاهد الرابع والأربعون:
أَبا مُنْذِرٍ أفنيتَ فاستبقِ بعضَنا ** حنانيكَ بعضُ الشرِّ أَهونُ من بَعْضِ

وقوله: من الوافر وهو الشاهد الخامس والأربعون:
ألا هُبِّي بِصَحْنِكِ فاصبَحينا ** وَلا تُبْقِي خُمورَ الأنْدَرينَ

اذا وقفوا فإذا وصلوا قالوا: من بعض والأنْدرينا وذلك في رءوس الاي كثير نحو قوله: {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} و{وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}. فإذا وصلوا أثبتوا الياء. وقد حذف قوم الياء في السكوت والوصل وجعلوه على تلك اللغة القليلة وهي قراءة العامة وبها نقرأ لأن الكتاب عليها.
وقد سكت قوم بالياء ووصلوا بالياء، وذلك على خلاف الكتاب، لأن الكتاب ليست فيه ياء وهي اللغة الجيدة. وقد سمعنا عربيا فصيحا ينشد: من الطويل وهو الشاهد السادس والأربعون:
فما وَجَدَ النَّهْدِيُ وَجْدًا وَجَدْتُهُ ** ولا وَجَدَ العُذْرِيُّ قبلِ جَمِيلُ

يريد قبلِي فحذف الياء. وقد أعمل بعضهم قَبْل اعمال ما ليس فيه ياء فقال: قبلُ جميل وهو يريد قبلي. كما قال بعضُ العرب يا ربُّ اغفِر لي فرفع وهو يريد يا ربّي.
واما قوله: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ} و: {أَضَلُّونَا السَّبِيلاْ} فتثبت فيه الألف لأنهما رأس آية، لأن قوما من العرب يجعلون أواخر القوافي إذا سكتوا عليها على مثل حالها إذا وصلوها وهم أهل الحجاز. وجميع العرب إذا ترنموا في القوافي أثبتوا في أواخرها الياء والواو والألف. وأما قوله: {ياأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ} فأنث هذا الاسم بالهاء كقولك رجُل رَبْعَة وغُلام يَفَعَة. أو يكون ادخلها لما نقص من الاسم عوضا. وقد فتح قوم كأنهم أرادوا يا أبتا فحذفوا الألف كما يحذفون الياء، كما قال الشاعر: من الوافر وهو الشاهد الحادي والأربعون:
ولست بمدرك ما فات مني ** لهفَ ولا بليتَ ولا لَوَآني

يريد: لَهْفاه. ومما يدلك على أن هذا الاسم أنث بالهاء قول الشاعر: من الطويل وهو الشاهد السابع والأربعون:
تقولُ ابنتي لما رأتنِيَ شاحِبًا ** كأنَّكَ فينا يا أَبات غريبُ

فرد الألف وزاد عليها الهاء كما أنثَ في قوله يا أمتاه فهذه ثلاثة أحرف. ومن العرب من يقول: يا أمَّ لا تفعلي رخّم كما قال: يا صاحِ. ومنهم من يقول: يا أميّ ويا أبي على لغة الذين قالوا: يا غلامِي. ومنهم من يقول: يا أبِ ويا أمِّ وهي الجيدة في القياس.
{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}.
أما قوله: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} فمن العرب من يهمِزُ ومنهم من لا يهمز. ومنه من يقول: {إسرَائِل} يحذف الياء التي بعد الهمزة ويفتح الهمزة ويكسرها.

.باب المجازاة:

فاما قوله: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} فإنما جزم الآخر لأنه جواب الأمر، وجواب الأمر مجزوم مثل جواب ما بعد حروف المجازاة، كأنه تفسير إنْ تَفْعلوا أُوفِ بَعَهْدِكُم وقال في موضع آخر: {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} وقال: {فَذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} فلم يجعله جوابا، ولكنه كأنهم كانوا يلعبون فقال: ذَرْهُم في حال لعبهم وقال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ} وليس من أجل الترك يكون ذلك، ولكن قد علم الله أنه يكون وجرى على الإعراب كأنه قال: إنْ تركتهم أَلْهاهُم الأمل وهم كذلك تركهم أو لم يتركهم. كما أن بعض الكلام يعرف لفظه والمعنى على خلاف ذلك، وكما أن بعضهم يقول: كَذَبَ عليكُمُ الحجّ.
فالحجُّ مرفوع وإنما يريدون أن يأمروا بالحج. قال الشاعر: من الكامل وهو الشاهد الثامن والأربعون:
كَذَبَ العتيقُ وماءُ شنٍّ باردٍ ** إن كنتِ سائِلتي غَبوقًا فاذْهَبي

وقال: من الوافر وهو الشاهد التاسع والأربعون:
وذُبْيانِيةٍ توصي بينها ** أَلا كَذَبَ القراطِفُ والقُروفُ

قال أبو عبد الله: القَراطِفُ، واحدها قَرْطَف: وهو كل ما له خَمَل من الثياب. والقُروفُ، واحدها قَرْف: وهو وعاء من جلود الابل كانوا يَغَلون اللحم ويحملونه فيه في أسفارهم. ويقولون هذا جُحرُ ضبٍّ خَرِبٍ والخرب هو الجُحْرُ. ويقولون، أحدهم: هذا حبُّ رُمّاني. فيضيف الرُمّان إليه وإنما له الحبّ وهذا في الكلام كثير.
وقوله: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} و: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فأجراه على اللفظ حتى صار جوابا للامر. وقد زعم قوم أن هذا إنما هو على فَلْيَغْفِروا وقُلْ لَعِبادي فَليَقولوا وهذا لا يضمر كله يعني الفاء واللام. ولو جاز هذا لَجاز قول الرجل: يَقُمْ زَيْد، وهو يريد لَيَقُمْ زَيْد. وهذا الكلمة أيضًا أمثل لأنك لم تضمر فيها الفاء مع اللام.
وقد زعموا أن اللام قد جاءت مضمرة، قال الشاعر: من الوافر وهو الشاهد الخمسون:
مُحَمَّدُ تَفْد نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ ** إذا ما خِفْتَ من شَيْءٍ تَبالا

يريد: لِتَفْدِ، وهذا قبيح. وقال: تَقِ اللّهَ امرُؤ فعل كذا وكذا ومعناه: ليَتَّق اللّهَ. فاللفظ يجيء كثيرا مخالفًا للمعنى. وهذا يدل عليه. قال الشاعر في ضمير اللام: من الطويل وهو الشاهد الحادي والخمسون:
على مثلِ أصحاب البعوضَةِ فَاخمِشي ** لكِ الويلُ حُرَّ الوَجْهِ أو يَبْكِ من بكى

يريد ليبكِ مَنْ بكى فحذف وسمعت من العرب من ينشد هذا البيت بغير لام: من الطويل وهو الشاهد الثاني والخمسون:
فَيَبْكِ على المِنْجابِ أضيافُ قَفْرةٍ ** سَرَوْا وأُسارى لم تُفَكَّ قيودُها

يريد: فَلْيَبْكِ فحذف اللام.

.باب تفسير أنا وأنت وهو:

وأما قوله: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} و{وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [41] فقال: {وَإيّايَ} وقد شغلت الفعل بالاسم المضمر الذي بعده الفعل. لأن كل ما كان من الأمر والنهي في هذا النحو فهو منصوب نحو قولك: زيدًا فَاضْرِبْ أَخاهُ. لأن الأمر والنهي مما يضمران كثيرًا ويحسن فيهما الاضمار، والرفع أيضا جائز على أن لا يضمر. قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون:
وقائِلَةٍ خولانَ فانكَحْ فتاتَهُمْ ** وأُكْرومَةُ الحَيَّيْنِ خِلّوُكما هِيا

وأما قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا} و: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} فزعموا- والله أعلم- أن هذا على الوحي، كأنه يقول: ومِمّا أَقُصُّ عليكمُ الزانيةُ والزاني، والسارقة والسارقُ. ثم جاء بالفعل من بعد ما اوجب الرفع على الأول على الابتداء وهذا على المجاز كأنه قال: أمرُ السارقِ والسارِقة وشأنُهما مما نَقُصَّ عليكم ومثله قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} ثم قال: {فِيهَا أَنْهَار مِّن مَّاءٍ} كأنه قال: وَمِمّا أقُصُّ عليكُمْ مَثَلُ الجنة ثم أقبل يذكر ما فيها بعد أن اوجب الرفع في الأول على الابتداء. وقد قرأها قوم نصبا إذ كان الفعل يقع على ما هو من سبب الأول، وهو في الأمر والنهي. وكذلك ما وقع عليه حرف الاستفهام نحو قوله: {أَبَشَرًا مِنّا واحِدًا نَتَّبِعُه}. وإنما فُعِلَ هذا في حروف الاستفهام لأنه إذا كان بعده اسم وفعل كان أحسن أن يبتدأ بالفعل قبل الاسم، فان بدأت بالاسم أضمرت له فعلا حتى تحسن الكلام به واظهار ذلك الفعل قبيح.
وما كان من هذا في غير الأمر والنهي والاستفهام والنفي فوجه الكلام فيه الرفع، وقد نصبه ناس من العرب كثير. وهذا الحرف قد قرئ نصبًا ورفعا: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}.
وأما قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فهو يجوز فيه الرفع وهي اللغة الكثيرة غير أن الجماعة اجتمعوا على النصب، وربما اجتمعوا على الشيء كذلك مما يجوز والاصل غيره. لأن قولك: إنّا عَبدُ اللّهِ ضَرَبْناهُ. مثل قولك: عبدُ اللّهِ ضَرَبْناهُ لأن معناهما في الابتداء سواء. قال الشاعر من المتقارب وهو الشاهد الرابع والخمسون:
فأَمّا تَمِيم تَميمُ بنُ مُرٍّ ** فأَلْفاهُمُ القومُ رَوْبى نِياما

وقال من الطويل وهو الشاهد الخامس والخمسون:
إذا ابنُ أبي مُوسى بلال بلغتِهِ ** فقامَ بفأسٍ بينَ وَصْلَيكِ جازِرُ

ويكون فيهما النصب. فمن نصب: {وأَما ثَمُودَ} نصب على هذا.
وأما قوله: {يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ} وقوله: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} ثم قال: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} وقال: {الرحمن (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ البَيَانَ} ثم قال: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} وقال: {وَكُلًا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلًا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} فهذا إنما ينصب وقد سقط الفعل على الاسم بعده لأن الاسم الذي قبله قد عمل فيه فأضمرت فعلا فأعملته فيه حتى يكون العمل من وجه واحد. وكان ذلك أحسن قال الشاعر: من الوافر وهو الشاهد السادس والخمسون.
نغالي اللحمَ للأضيافِ نَيْئًا ** ونُرْخِصُه إذا نَضِجَ القُدورَ

يريد نُغالي باللحم فان قلت: {يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ} ليس بنصب في اللفظ فهو في موضع نصب قد عمل فيه فعل كما قلت: مررت بزيدٍ وعَمْرًا ضربتُه، كأنك قلت: مررت زيدًا وقد يقول هذا بعض الناس. قال الشاعر: من المنسرح وهو الشاهد السابع والخمسون:
أَصبحتُ لا أَحْمِلُ السلاحَ ولا ** آمِلْكُ رأسَ البعيِرِ إنْ نَفَرا

والذيبَ أخشاهُ إنْ مَرَرْتُ بهِ ** وَحدِي وأَخشى الرياحَ والمَطَرا

وكلُّ هذا يجوز فيه الرفع على الابتداء والنصب أجود وأكثر.
وأما قوله: {يَغْشَى طَائفَةً مِّنْكُمْ وَطَائفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} فإنما هو على قوله {يَغْشى طائفةً منكم} وطائفة في هذهِ الحال. وهذه واو ابتداء لا واو عطف، كما تقول: ضربتُ عبْدَ اللّهِ وزيد قائم. وقد قرئت نصبا لأنها مثل ما ذكرنا، وذلك لأنه قد يسقط الفعل على شيء من سببها وقبلها منصوب بفعل فعطفتها عليه وأضمرت لها فعلها فنصبتها به. وما ذكرنا في هذا الباب من قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} وقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ} ليس في قوله: {فَاقْطَعُواْ} و: {فَاجْلِدُواْ} خبر مبتدأ لأن خبر المبتدأ هكذا لا يكون بالفاء. فلو قلت عبدُ اللّهِ فَيَنْطَلِقُ لم يحسن. وإنما الخبر هو المضمر الذي فسرت لك من قوله ومما نقص عليكم وهو مثل قوله: من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون:
وقائلةٍ خولانُ فانكحْ فتاتَهُم ** وأكرومةُ الحَيَّيْنِ خلو كَما هِيا

كأنه قال: هؤلاءِ خَولانُ كما تقول: الهلالُ فانظرْ اليهِ كأنك قلت: هذا الهلالُ فانظُر إليه فأضمر الاسم.
فأما قوله: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا} فقد يجوز أن يكون هذا خبر المبتدأ، لأن الذي إذا كان صلته فعل جاز أن يكون خبره بالفاء نحو قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} ثم قال: {فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}.
{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}.

.باب الواو:

أما قوله: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة} فلأنه حمل الكلام على الصلاةِ. وهذا كلام منه ما يحمل على الأول ومنه ما يحمل على الاخر. وقال: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} فهذا يجوز على الأول والآخر، وأقيس هذا إذا ما كان بالواو أن يحمل عليهما جميعًا. تقول: زيد وعمرو ذاهبان. وليس هذا مثل أو لأن أو إنما يخبر فيه عن أحد الشيئين. وأنت في أو بالخيار أن شئت جعلت الكلام على الأول وإن شئت على الآخر، وأن تحمله على الآخر أقيس لأنك أن تجعل الخبر على الاسم الذي يليه الخبر فهو أمثل من أن تجاوزه إلى اسم بعيد منه. قال: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّواْ إِلَيْهَا} فحمله على الأول، وقال في موضع آخر: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} وقال: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} فحمله على الآخر. قال الشاعر: من البسيط وهو الشاهد الثامن والخمسون:
أمّا الوَسامَةُ أو حُسْنُ النِساءِ فَقَدْ ** أُوتيتِ مِنْهُ لو أن العقلَ محتَنِكُ

وقال ابنُ أحمر: من الطويل وهو الشاهد التاسع والخمسون:
رماني بداءٍ كنتُ منهُ ووالدي ** بريئًا ومن أَجْلِ الطَوِيِّ رماني

وقال الآخر: من المنسرح وهو الشاهد الستون:
نحنُ بِما عندَنا وأنتَ بما ** عندَكَ راضٍ والرأيُ مُخْتَلِفُ

وهذا مثل قول البرجمي: من الطويل وهو الشاهد الحادي والستون:
مَنْ يكُ أمْسى بالمدينةِ دارُهُ ** فإنّي وَقَيّارًا بِها لَغَرِيبُ

وأما قوله: {بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ}.
فانتصب: {الْعِجْلَ} لأنه مفعول به، تقول: عجبت من ضربِكَ زيدًا. وقوله: {بَارِئِكُمْ} مهموز لأنه من برأ اللّهُ الخلقَ يَبْرأُ بَرْءًا.
وقد قرأ بعضهم هذه الهمزة بالتخفيف فجعلها بين الهمزة وبين الياء. وقد زعم قوم إنها تجزم ولا أرى ذلك إلا غلطا منهم، سمعوا التخفيف فظنوا أنه مجزوم والتخفيف لا يفهم إلا بمشافهة ولا يعرف في الكتاب. ولا يجوز الاسكان، إلا أن يكون اسكن وجعلها نحو عَلْمَ وقَدْ ضُرْبَ وقَدْ سَمْعَ ونحو ذلك.
سمعت من العرب من يقول: {جَاءَتْ رُسُلْنا} جزم اللام وذلك لكثرة الحركة قال الشاعر: من السريع وهو الشاهد الثاني والسبعون:
وأنتِ لو باكرتِ مَشْمولَةً ** صهباءَ مثلَ الفَرَسِ الأشْقَرِ

رُحْتِ وفي رجلَيكِ ما فيهما ** وقد بَداهَنْكِ من المِئزِرِ

وقال امرؤ القيس من السريع وهو الشاهد الثالث والسبعون:
فاليومَ أشربْ غيرَ مُستحقبٍ ** إِثمًا من اللّهِ ولا واغِلِ

وقال آخر: من الرجز وهو الشاهد الرابع والسبعون:
إنَّ بَنِي ثَمَرَةْ فُؤادي

وقال آخر: من الرجز وهو الشاهد الخامس والسبعون:
يا عَلْقَمة يا عَلْقَمة يا علقمة ** خيرَ تميمٍ كلِّها وأَكرمَهْ

وقال: من الرجز وهو الشاهد السادس والسبعون:
إذا اعوججْنَ صاحبْ قَوِّمِ ** بالدَّوِّ أمثالَ السفينِ العُوَّمِ

ويكون {رُسُلْنا} على الادغام، يدغم اللام في النون ويجعل فيها غنة. الإسكان في: {بارئْكُم} على البدل لغة الذين قالوا: أَخْطَيْت وهذا لا يعرف.
{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.